الجمعة، 29 مارس 2013

تخطئ التيارات المناهضة للعلمانية حينما تردد أن العلمانية نشأت نتيجة صراعات طويلة فى أوروبا بين الكنيسة والسلطة .. عن قصد أو بدون .. ولذلك هم يزعمون أن العلمانية لا يمكن ان تطبق أبداً فى عالمنا الإسلامى .. لأن لها سياق معين نشأت خلاله وهذا السياق أو هذه الظروف غير موجودة فى عالمنا الإسلامى .

لذلك عزمت على الحديث عن سياق العلمانية التاريخى .. حتى يتسنى للجميع معرفة العلمانية الحقيقية

…………

 بداية القصة كانت فى القرن السادس(ق.م) عندما أعلن “فيثاغورس” عن نظرية دوران الأرض .. تبعه “بروتاغوراس فى القرن الخامس(ق.م) إذ قال : أن الإنسان هو مقياس الأشياء جميعاً ، وبناءً عليه استحالة اقتناص المطلق .. لأن الإنسان عاجز عن معرفة الحقيقة المطلقة .

 وكان القرن (12) قرن أكثر ثورية إذ كان بمثابة إصلاح دينى .. وتجلى ذلك فى فلسفة “ابن رشد” فى فكرة محورية هى فكرة (التأويل) وهى : إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقة إلى الدلالة المجازية  ؛ فإذا تعارض النص مع العقل وجب تأويل النص .. لأن العقل والنص مصدرهما الله .. إذ لا يمكن أن يتعارضا أبداً . والتأويل يخرق الإجماع .. إذ لا يتصور فيه إجماع وبالتالى يمتنع تكفير المؤول. وانطلاقاً من “ابن رشد” إلى “مارتن لوثر” الذى تأثر كثيراً “بابن رشد” فقد قام بثورة دينية سميت ب (الإصلاح الدينى) وخلاصة فكرته هى : الفحص الحر للإنجيل من غير معونة السلطة الدينية .. وهذا يفضى إلى أن تأويل الإنجيل من حق أى إنسان .. ومن ثم فالدوجمايقية ممتنعة .. وبالتالى لا يمكن تكفير أحد .

 لم تقف الثورة عند الحد الدينى بل امتدت إلى العلم ، ففى القرن (16) نشر “كوبرنيكوس كتابه عن دوران الأفلاك ودلل فيه على دوران الأرض وبالتالى عدم مركزيتها ، وتم تحريم تداول الكتاب من قبل محاكم التفتتيش . ثم أتى “جاليليو” بعد ذلك بقرن تقريباً وأعلن انحيازه لنظرية “كوبرنيكوس” فى كتابه(حوار حول أهم نسقين فى العالم) .. فتم مصادرة الكتاب ومثول “جاليليو” أمام ديوان التفتيش لمحاكمته .

 والسؤال : لماذا تم اعتبار نظرية دوران الأرض خطيرة إلى هذا الحد ؟ ج/لأن الأرض لم تعد مركزاً للكون والإنسان يعيش على الأرض .. إذن الإنسان ليس مركزاُ للكون .. وبالتالى لن يكون فى إمكانه اقتناص المطلق .. لأنه جزء من حركة وليس مركزاً وثابتاً .. وبالتالى وجب الاحتكام إلى النسبية فى كل شئ .

 لم تتوقف الثورة العلمانية عند الحدين الدينى والعلمى فقط وإنما امتدت إلى ميدان السياسة . يمكن تلخيصها سريعاً فى : روح القوانين ل”مونتسيكو” ونسبية القوانين طبقاً للمناخ والجغرافيا . ورسالتان فى التسامح ل”جون لوك” وتدمير مبدأ الحق الإلهى للحاكم .. والحديث عن أصل المجتمع ، إذ المجتمع لم يكن موجوداً فى الأصل .. وإنما أفراد منفصلون كل منهم يخشى الآخر .. الأمر الذى أفضى بتكوين مجتمع بعقد اجتماعى ينص على موافقة الأفراد عن التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتى من خلالهم . وبالتالى فالحكم مستمد من الأفراد وليس الإله .. ولذلك يلزم أن يكون سلطاناً نسبياً لا مطلقاً .

 فى منتصف القرن (19) تم صك الكلمة (secularism) على أيدى ” جورج هوليوك” .. إذ وصف ما كان الفلاسفة قد صاغوه سابقًا وتخيله من نظام اجتماعي منفصل عن الدين غير أنه لا يقف ضده ..  وأصل الكلمة اللاتينى هو (saeculum) وتعنى المنتسب إلى هذا العالم بعيداً عن الميتافيزيقا .

 

المصادر:

رباعية الديمقراطية - مراد وهبة

قصة الحضارة - ول ديورانت

ويكيبيديا

الأربعاء، 13 مارس 2013

استعبدنى أكثر سيدى





جلست على طاولة بالأمس تحوى أربع  مصريات ، وأربعة مصريون ، وأمريكية وكنا نتناقش فى أمور عدة إلى أن نضب خيالهم وجفت ألسنتهم فتوقف الحديث لدقائق قليلة  .. فأشاروا لى بفتح موضوع فاخترت (gender equality)  .. وبدأت فى مهاجمة ذكورية المجتمع وألمحت إلى تأكيد ظلم المرأة فى الشريعة الإسلامية وذكرت الأمثلة على ذلك .

وما أن انتهيت حتى تجهمت وجوههم ، ونفرت عروقهم حنقاً وضيقاً ، وجحظت عيونهم .

 ثم وجهت كلامى للفتيان أولاً حتى أعطى الفرصة بعد ذلك للفتيات حتى يدافعن عن أنفسهن ويؤكدن كلامى .

فتلقيت سيل من صيحات الاستهجان .. وكان الفتيان يتحدثون معاً فى آنٍ واحد .. منهم من قال أن التركيب الفسيولوجى للرجل يسمح له بتعدد الزوجات .. وآخر قال أن محمداً تزوج العديد من النساء وشرًّع لنا هذا .. والثالث قال أنها سنة الله وقد أخبرنا بها فى قرآنه ولا نستطيع تبديلها .. والرابع اكتفى برمقة .

فتحولت بنظرى تجاه الفتيات منتظراً تعديل كفة الحديث ، وقلت لهن ها هى فرصتكن يا فتيات للنيل منهم .

تفاجأت بهن يدافعن عن ما قال القتيان .. وكن أكثر حرقة .
فأنهيت الحديث واستأذنت معللاً ذلك ارتباطى بميعاد ..

فقد أدركت أنهن يعشقن الاستعباد ...

الجمعة، 29 يونيو 2012

العلمانية بثوبٍ جديد





قرأت كتاب لتوفيق الحكيم عنوانه (حديث مع الكوكب) .. وهو عبارة عن حوار فلسفى يدور بين الكاتب وبين كوكب الأرض .. يحاول من خلاله أن يحرك العقول لتفحص وتمحص كل ما استقر فى وجدانها من مسلمات .
وقد وجدت ما يعبر عن العلمانية بين ثنايا حديثهما .. فارتأيت أن أجمع كل ما يعبر عنها وأن أضعه لكم فى قالب حديث مع بعض التعديلات والإضافات .
                                       
*الحضارة وليدة العقل المتحرك

الإنسان : هل تعتقد أن الإنسان يمكن أن ينقرض يوماً ؟
الأرض : ممكن جداً .. كل كائن يمكن أن ينقرض ، وقد انقرض فعلاً حيوان مثل الديناصور .. سقط سلاحه وضعفت مقاومته أمام القوى التى حوله تريد ابتلاعه .. وسلاحكم الوحيد أنتم البشر هو جهاز عقلكم المتحرك دائماً بالفكر .
الإنسان : إذن الخطر على الإنسان هو جمود عقله (الأصولية) .
الأرض : بدون شك .. وتاريخ البشرية يشهد بذلك .. إن الحضارة وليدة العقل المتحرك (العلمانية) .. فإذا تجمد هذا العقل وقفت الحضارة ، وبوقوفها تأتى حضارة أخرى وليدة متحركة فتبتلعها .
الإنسان : كل ما يجمد ويقف يتعرض إذن للابتلاع ؟
الأرض : بالطبع .. حتى أنا ذلك الكوكب الذى تعيش أنت على سطحه ، لو توقفت عن الحركة أتدرى ماذا يحدث ؟ أفقد توازنى ولا استطيع أن أقاوم جاذبية الشمس القوية ، وسرعان ما تبتلعنى .

*قوة الحياة تدفعنا نحن البشر نحو التطور

الإنسان : أريد أن أطرح عليك سؤالاً أيها الكوكب ..
الأرض : تفضل !
الإنسان :  ما الفرق إذن بين الإنسان والحيوان ؟
الأرض : إن المعرفة الواعية يا صديقى هى من خصائص الإنسان وحده .. أما الحيوان فليس لديه معرفة واعية .. إذ أن المعرفة عنده مغروزة فى داخله يمارسها دون الحاجة إلى وعى .. فالأعمال الشاقة التى يقوم به النمل فى بناء بيوته وتخزين طعامه ومثابرته وإصراره .. كل ذلك وراءه ولا شك قوة دافعة .. أنها قوة الحياة .
فى حين أن الشك ، أى التفكير فى التغيير شئ خاص بالإنسان وحده ، ولذلك لا توجد تغييرات فى حياة الحيوان .. فهو يعيش فى مجتمعات ثابتة جامدة لا تعرف التطور ..
الإنسان : ولعل من رأيك أيضاً أن الحيوانات والحشرات ليست فى حاجة إلى التطور الاجتماعى وإلا كانت قوة الحياة دفعتها إليه .
الأرض : فعلاً .. وأمامك مجتمع النمل ومملكة النحل .. ما من تغييرات حدثت فيهما منذ الأزل .. ولا أحسبك تتوقع أن تنقلب مملكة النحل إلى جمهورية ومجتمع النمل إلى ملكية !!
الإنسان : ربما ليست لديها مشكلات اجتماعية تدعو إلى ذلك !
الأرض : إن قوة الحياة الكامنة فيها والمغروزة فى تركيبها هى التى تحل لها مشكلاتها .. أما عند الإنسان فإن قوة الحياة تلقى مسئولية مشكلاته على عضلته الخاصة ، التى تسمى العقل الواعى ، وعلى جهاز فكرة المتحرك (العلمانى) .


*العلمانية ضرورة حتمية لبناء الحضارة


الإنسان : حقاً .. إن مسئولية الفكر الإنسانى جسيمة !
الأرض : وحركة هذا الفكر المستمر(العلمانى) هى فرصة الإنسان الوحيدة فى الحياة ..
الإنسان : ولهذا تقاس قيمة الأفراد والشعوب وقوتها بمقدار حركة الفكر فيها ..
الأرض : هذا صحيح .. ولهذا تختفى حضارات وتظهر حضارات ، تبعاً لجمود الفكر أو تحركه ..
الإنسان : تقول تختفى ؟ .. أين تختفى ؟
الأرض : أقصد تبتلع .. لا شئ يختفى نهائياً أو يزول .. ولكن كل شئ ومنها الحضارات إذا ضعفت وجمدت ابتلعتها حضارة أسرع حركة وأقوى معدة ، فتهدم ما عندها من كنوز ، ولا تبقيها إلا نفاية وتتقدم هى متوردة مزدهرة لتحمل عنها مشعل القوة الإنسانية ..
الإنسان : أليست كل حركة مقترنة بالاتجاه ؟ .. فما هو الاتجاه المطلوب لحركة التفكير ؟

الأرض : الاتجاه إلى الأمام طبعاً (العلمانية) .. أى التقدم بالإنسان فى طريق التطور إلى الأقوى والأفضل .. لأن الاتجاه إلى الخلف (الأصولية) هو رجعة إلى موضع سابق مر به الإنسان وتركه ، سائراً مع الزمن المتغير والعصور المتلاحقة .. ولا يمكن للغد أن يصبح الأمس ، إلا إذا انقلبت دورة القمر من حولى ودورتى أنا أيضاً .


*قطار الزمن والعصر


الإنسان : ألا يمكن أن يكون فى ماضى الإنسان شئ ذو قيمة يرى من الأفضل له استعادته ..؟
الأرض : هذا شئ آخر عزيزى الإنسان .. هناك فرق بين الإنسان الراكب فى قطار الزمن والعصر ، ويريد أن يرجع بقطاره كله إلى محطة سابقة يمكث فيها (الأصوليين) .. وبين الإنسان الذى يستعيد من هذه المحطة الشئ ذا القيمة ، وينفض عنه ترابه ويصلحه وينتفع به وهو سائر بقطار الزمن والعصر فى اتجاه المحطات التالية القادمة (العلمانيون)  .


*الوقود الذى يدفع بعجلات القطار نحو الأمام

الإنسان : مادمت قد ذكرت القطار ، فإلى أى مدى يستطيع أن يسير إلى الأمام ؟
الأرض : لا أدرى .. كل ما أعرف هو أنه سيظل يسير ويتحرك بحركة الفكر الخلاق ، هذا هو الوقود الضرورى لتشغيل عجلاته .. فإذا نفذ هذا الوقود وقف ..
الإنسان : إنها لكارثة هذا الوقوف !
الأرض : مادام هناك وقود يدفع العجلات ، فلا خوف .
الإنسان : وكيف نأتى بهذا الوقود ؟!
الأرض : إنه ينبت فى البيئة الصالحة والمناخ الملائم ..
الإنسان : مثل كل نبات طيب .
الأرض : نعم .. بالضبط .. ومثل كل نبات طيب يحتاج فى نموه و إزدهاره إلى الهواء الطلق (حرية التفكير) وإلى ضوء الشمس (العلم) .
الإنسان : وهل هو ينبت من تلقاء نفسه ، أو يزرع ؟
الأرض : قد ينبت من تلقاء نفسه إذا ترك حراً (بلا وصاية عقلية) .. وقد ينبت إذا وجد من يزرعه ، ويأتى له بخير البذور ويسمده بخير السماد (المجتمع المحيط) .. وأهم من كل ذلك أن لا يسد عليه منفذ الهواء والنور (حرية التفكير والعلم والمعرفة) .
الإنسان : أتظن هذه أشياء من السهل توافرها فى كل حين ؟!
الأرض : ولمَ لا ؟
الإنسان : هناك ظروف وموانع تمنع ؟؟
الأرض : تمنع ماذا ؟
الإنسان : لا داعى لأن تعرف .. وأظن أنك تعبت من طول الحديث .. ويحسن أن تسمح لى بالانصراف .. وشكراً لكَ على هذا الحديث الشيق .

السبت، 31 مارس 2012

التحول من الحكمة إلى الدوجما


فى البداية أنوه القارئ بإطلاق الخيال ، والتحرر والتجرد من الخبرات المكتسبة عن المجتمع...

 تتبعت المسار التاريخى للأديان بداية من تعدد الآلهة فى الحضارات القديمة الأنثوية .. إلى فكرة التوحيد والمطلق بداية من اليهودية محاولاً معرفة جذور الحرب من أجل المقدس وفرض المعتقد .. الحروب التى بدأت مع ظهور الأديان السماوية وتجلت بوضوح ..
حروب الرب يهوه .. مذابح المسيحة لإعلاء الصليب .. الغزوات الإسلامية لنشر الدين القويم ..


* لنتتبع معاً جذور التحول من الحكمة إلى الدوجما :
كانت عشتار أول مقدس .. قدست باعتبارها أصل ومنبع الحياة ، وواهبة كل شئ فى حضارتى سومر وبابل ..
وفى مصر كانت إيزيس الأم العظمى .. رمز القوة الخالقة الخفية التى أوجدت الأرض وكل ما عليها من الكائنات الحية .. وأوجدت ذلك الحنو الأموى الذى يحيط بالحياة الجديدة حتى يتم نموها مهما كلفها من جهد وعناء .. 
وكانت ترمز فى مصر كما كانت ترمز كالى وإستير وسيبيل فى آسية .. كما ترمز دمتر فى بلاد اليونان وسيريز فى روما .. كما ترمز هذه كلها إلى ما للعنصر النسوى من أسبقيته وأفضليته .
إذ يمكننا أن نلحظ بأنها كانت جميعها مجتمعات أنثوية .. تقدس المرأة باعتبارها أصل الكون ومنبع الحكمة .

* منعطف التحول :
كانت  التوراة منعطفاً كبيراً نحو تدمير الأنثى .. حيث كانت أول نص يجعل من الذكر أصل الحياة .. ونرى ذلك متجلياً بوضوح فى سفر التكوين ، 
حواء استلت من آدم .. ثم بعد ذلك أغوته مع الحية التى هى رمز الأنثى فى الحضارات القديمة وأخرجته من جنة عدن .. 

* المسيحية ومحاولة تصحيح المسار :
جاءت المسيحية محاولةً لإحياء فكرة الأنثى المقدسة .. فالسيد المسيح أتى من أنثى مقدسة (مريم العذراء) .. التى تلد بدون جماع .. جاءت المسيحية لتعيد البشرية إلى رشدها .. بإحياء فكرة الأصول النسوية للكون .. وإيجاد الإله من امرأة عذراء .

* الإسلام والقضاء على الأنثى :
أتى الإسلام وقضى على أى محاولة لعودة الأنثى إلى عرشها .. وتبنى فكرة الإله والمجتمع الذكورى ..  وأحيا الفكرة التى بدأتها اليهودية .. 

* والسؤال : ما علاقة كل ما ورد فى المقال بالعنوان ؟ 
ج/ فى رأيى أن التحول الذكورى للمجتمعات بداية من اليهودية وما سبقها بقليل أدى إلى ظهور الديانات الذكورية الدوجماطيقية .. وفقاً لطبيعة المجتمعات .. المجتمعات الذكورية تنتج بالضرورة ديانان ذكورية دوجماطيقية .. متوهمة بامتلاك الحقيقة المطلقة .. تمارس العنف .. عدوانية .. أنها طبيعة الرجل . 

المصادر :
بعض من أجزاء "قصة الحضارة" لـ "ول ديورانت"